ااخبار اليوم | تابع كل جديد في مختلف المجالات‏ | ‪alhurra.com‬‏

   إنه زمن العقوبات



رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل
لبنان بلد خاضع للعقوبات الأميركية. هذه رسالة أُبلغنا بها، لكننا لا نريد مكاشفة أنفسنا بما أُبلغنا. تارة نقول إن العقوبات طالت مسؤولين في حزب الله، وهؤلاء ليسوا لبنان، وتارة أخرى نقول إن العقوبات قد تشمل وزراء من حركة أمل أو التيار الوطني الحر، وهؤلاء أفرادا ليس بالضرورة أن تشملنا العقوبات عليهم!
حالنا كحال النعامة حين يقترب الصياد منها فتخفي رأسها في الرمال. لقد حانت ساعة الحقيقة. نحن حيال مشهد دولي لا يتحمل هذا الخطأ المتمثل بوجود دولة ليست أكثر من ذراع لميليشيا. في العقود السابقة قَبِل العالم هذه الحقيقة لأنه كان عالما آخر. لبنان أقل أهمية بالنسبة للعالم الجديد. في واشنطن إدارة غير معنية باستقرار لبنان، وفي أوروبا يتقدم اليمين الشعبوي الذي لا يرى أننا نستحق اهتمامه. وفي المقابل، لبنان، الذراع "الشرعية" للسلاح "غير الشرعي" لم يُعِد نفسه لهذا الاستحقاق الداهم.
العقوبات على الأبواب، وهي لن تستثني أحدا منا
لبنان، كفكرة، يُقدم نفسه للعالم بصفته نموذجا غير مسبوق للدولة. بلد يتمتع بميليشيا تفوقه قوة ونفوذا! كيف يمكن أن نسوق نموذجنا؟ نريد من العالم أن يضمنا إلى اقتصاده، ونريد من مؤسساته قروضا، ومن هيئاته السياسية اعترافا ودورا، وفي نفس الوقت لم نعد جزءا من طبائعه ومن منظوماته ومن نماذجه. فكرة الدولة لدينا مختلفة تماما عن الفكرة التي يرى العالم أنها امتداد لتجاربه.
فلنستعرض هذه الحقيقة من دون أن نحكم عليها أو ننقسم حولها. لا أحد في لبنان يشك في أن لحزب الله نفوذا يفوق نفوذ الدولة ونفوذ الحكومة. هذه الحقيقة تم تثبيتها بمسارات أمنية وعسكرية، ومؤخرا انتخابية ثم حكومية واقتصادية، فقد حصد حزب الله وحلفاؤه الغالبية النيابية. إذا فلنتفق على توصيف لحالنا ولنبني على أساسه خطة لنقدم نفسنا إلى هذا العالم.
لبنان، كفكرة، يُقدم نفسه للعالم بصفته نموذجا غير مسبوق للدولة
أولا فلنسأل أنفسنا، هل نريد أن نكون جزءا من هذا العالم؟ والإجابة الواقعية هي أننا نريد أن نكون جزءا من العالم ومن اقتصاده ومن ازدهاره. إذا هل يمكن التوفيق بين نموذجنا وبين ما يريده العالم منا؟ الجواب قطعا لا. إذا علينا أن نبدأ بالبحث عن أنفسنا بصفتنا جزءا من عالم آخر. نعم هناك عالم آخر، موسكو وطهران ودمشق، وربما صنعاء. أما بغداد، فحالها كحالنا، تتخبط بين هذين العالمين.
العقوبات على الأبواب، وهي لن تستثني أحدا منا، من يستعجلها يستعجل موتنا، ومن يُنكرها كاذب. علينا أن نستمع إلى من يقول إننا يمكننا أن نتعايش معها، وعلينا أن نبدأ بالتفكير بالإيرانيين في ظل العقوبات وبالعراقيين عندما ضرب عليهم الحصار وبالسوريين المقيدين بتعاملاتهم المصرفية والتجارية. هذا ليس جلدا للنفس، هذه واقعية، وهذا أيضا الثمن الذي علينا أن ندفعه لقاء خياراتنا. حزب الله تحول إلى خيار لغالبية اللبنانيين. الانتخابات أثبتت ذلك، وتشكل السلطة في أعقابها أثبت ذلك. وعلاقة الحزب مع العالم ستنسحب من دون شك على علاقتنا مع هذا العالم. وهنا من المفيد استحضار قرار البريطانيين الذين اقترعوا للانفصال عن أوروبا. لهذا الانفصال أثمانا سيدفعونها، وهم على ما يبدو غير نادمين على فعلتهم وعلى استعداد لدفع هذه الأثمان. ونحن بدورنا علينا أن ندفع ثمن قرارنا بالانفصال عن العالم.
نحن حيال مشهد دولي لا يتحمل هذا الخطأ المتمثل بوجود دولة ليست أكثر من ذراع لميليشيا
يجب أن نعترف أن أي توجه حكومي لـ"تصويب" الموقع وتهميش حزب الله ومن ثم الالتحاق بالعالم، هو توجه غير ديمقراطي، تماما مثلما أن عودة بريطانيا إلى أوروبا ستكون فعلا غير ديمقراطي. لكن في المقابل يبدو مشهد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وهو يحاول إقناع أميركا بأن لبنان بلدا "طبيعيا"، وفي نفس الوقت يظهر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله على التلفزيون ليحصي الصواريخ التي بحوزته، مشهدا غير منطقي. الأول يريد من واشنطن المساعدات والثاني يريد أن يقصف واشنطن، أو على الأقل يريد أن يدمر نفوذها في المنطقة!
قاسم سليماني يريد أن يواجه أميركا، إلا أنه منسجم مع نفسه ولا يكلفها عناء زيارة واشنطن ومحاولة إقناعها بفك الحصار عن بلده. وبشار الأسد أيضا يعرف تماما موقعه على هذا الصعيد. علينا أن نقتنع بما نحن فيه. لا بل أننا في هذا الموقع على نحو أكثر وضوحا و"شرعية" من غيرنا، ذاك قاسم سليماني غير منتخب، وبشار الأسد عدد قتلاه يفوق عدد ناخبيه. في لبنان قرر معظم الشيعة وأكثرية مسيحية ونحو ثلث السنة "أن حزب الله هم الغالبون"، والمجتمعات الراشدة تتحمل مسؤولية خياراتها. فلنعِد أنفسنا لزمن العقوبات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تجربتي لتجميع جهاز ورك ستيشن لاب توب Work Station Laptop

افضل طرق الربح من الانترنت 2019